فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أفاضوا في الحديث أي اندفعوا فيه.
وأفاض البعير أي دفع جِرّته من كرِشِه فأخرجها؛ ومنه قول الشاعر:
وأفضن بعد كُظُومِهِنّ بجِرّة

وأفاض الناس من عرفات إلى مِنًى أي دفعوا. وكل دفعة إفاضة.
{كفى بِهِ شَهِيدًا} نصب على التمييز.
{بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي هو يعلم صدقي وأنكم مبطلون.
{وَهوالغفور} لمن تاب {الرحيم} بعباده المؤمنين. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ}.
أي واضحات أو مبينات ما يلزم بيانه {قال الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ} أي الآيات المتلوة. و وضع موضع ضميرها تنصيصًا على حقيتها و وجوب الآيمان بها كما وضع الموصول موضع ضمير المتلوعليهم تسجيلًا عليهم بكمال الكفر والضلالة.
وجوز كون المراد بالحق النبوة أو الإسلام فليس فيه موضوعًا موضع الضمير. والأول: أظهر. واللام متعلقة بقال على أنها لام العلة أي قالوا لأجل الحق وفي شأنه وما يقال في شأن شيء مسوق لأجله. وجوز تعلقه بكفروا على أنه بمعنى الباء أوحمل الكفر على نقيضه وهو الآيمان فإنه يتعدى باللام نحو{أَنُؤْمِنُ لَكَ} [الشعراء: 111] وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى {لَمَّا جَاءهُمْ} أي في وقت مجيئه إياهم. ويفهم منه في العرف المبادرة وتستلزم عدم التأمل والتدبر فكأنه قيل: بادروا أول سماع الحق من غير تأمل إلى أن قالوا: {هذا عَدُومُّبِينٌ} أي ظاهر كونه سحرًا. وحكمهم بذلك على الآيات لعجزهم عن الإتيان بمثلها. وعلى النبوة لما معها من الخارق للعادة. وعلى الإسلام لتفريقه بين المرء وزوجه وولده.
{أَمْ يَقولونَ افتراه} إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة إلى حكاية ما هو أشنع منها وهو الكذب عمدًا على الله تعالى فإن الكذب خصوصًا عليه عز وجل متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من الأمور المرغوبة. وما في {أَمْ} المنقطعة من الهمزة معنى للأنكار التوبيخي المتضمن للتعجب من نسبته إلى الافتراء مع قولهم: هو سحر لعجزهم عنه. والضمير المنصوب في {افتراه} كما قال أبو حيان {لِلْحَقّ} [الأحقاف: 7] الذي هو الآيات المتلوة. وقال بعضهم: للقرآن الدال عليه ما تقدم أي بل أيقولون افتراه.
{قُلْ إِنِ افتريته} على الفرض {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئًا} أي عاجلني الله تعالى بعقوبة الافتراء عليه سبحانه فلا تقدرون على كفه عز وجل عن معالجتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه سبحانه عني فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه. فجواب {إن} في الحقيقة محذوف وهو عاجلني وما ذكر مسبب عنه أقيم مقامه أوتجوز به عنه {هو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} بالذي تأخذون فيه من القدح في وحي الله تعالى والطعن في آياته وتسميته سحرًا تارة وافتراءً أخرى. واستعمال الإفاضة في الأخذ في الشيء والشروع فيه قولا كان أوفعلًا مجاز مشهور. وأصلها إسالة الماء يقال: أفاض الماء إذا أساله. وما أشرنا إليه من كون {مَا} موصولة وضمير فيه عائد عليه هو الظاهر وجوز كون {مَا} مصدرية وضمير {فِيهِ} للحق أوللقرآن {كفى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} حيث يشهد لي سبحانه بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود. وهو وعيد بجزاء إفاضتهم في الطعن في الآيات. واستؤنف لأنه في جواب سؤال مقدر. و{بِهِ} في موضع الفاعل بكفى على أصح الأقوال. و{شَهِيدًا} حال و{بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} متعلق به أوبكفى {وَهوالغفور الرحيم} وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وامن وإشعار بحلم الله تعالى عليهم إذ لم يعاجلهم سبحانه بالعقوبة وأمهلهم ليتداركوا أمورهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ قال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا قرئت عليهم آيات هذا القرآن العظيم الذي هو الحق ادعوا أنها سحر مبين واضح.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من افترائهم على القرآن أنه سحر وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ساحر جاء موضحًا في آيات كثيرة. كقوله تعالى في سبأ {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [سبأ: 43].
وقوله تعالى في الزخرف {ولما جَاءَهُمُ الحق قالواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 30] وقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] إلى قوله: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ هَلْ هاذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] وقوله تعالى: {ولئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقولنَّ الذين كفروا إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [هود: 7].
والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
قوله تعالى: {أَمْ يَقولونَ افتراه قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئًا}.
أم هذه هي المنقطعة وقد قدمنا أنها تأتي بمعنى الإضراب.
وتأتي بمعنى همزة الأنكار.
وتأي بمعناهما معًا وهو الظاهر في هذه الآية الكريمة.
فأم فيها على ذلك تفيد معنى الإضراب والأنكار معًا. فهو بمعنى دع هذا. واسمع قولهم المستنكر لظهور كذبهم فيه. أن محمدًا افترى هذا القرآن. وقد كذبهم الله في هذه الدعوى في آيات كثيرة كقوله تعالى: {أَمْ يَقولونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} [يونس: 38] الآية.
وقوله: {أَمْ يَقولونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] {قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئًا} أي إن كنت افتريت هذا القرآن على سبيل الفرض.
والتقدير: عاجلني الله بعقوبته الشديدة. وأنتم لا تملكون لي منه شيئًا. أي لا تقدرون أن تدفعواعني عذابه إن أراد أن يعذبني على الافتراء.
فكيف أفتريه لكم. وأنتم لا تقدرون على دفع عذاب الله عني؟
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع. كقوله تعالى: {ولوتَقول عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44- 47].
فقوله تعالى في آية الحاقة هذه: {ولوتَقول عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} كقوله في آية الأحقاف {قُلْ إِنِ افتريته}.
وقوله في الحاقة: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} يوضح معنى قوله: {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئًا}. لأن معنى قوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47]. أنهم لا يقدرون على أن يحجزوا عنه أي يدفعوا عنه عقاب الله له بالقتل. لوتقول عليه بعض الأقاويل.
وذلك هو معنى قوله: {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئًا} أي لا تقدرون على دفع عذابه عني.
ونظير ذلك في المعنى قوله تعالى: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا} [المائدة: 17] وقوله تعالى: {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا} [المائدة: 41].
وما تضمنته آية الأحقاف هذه واية الحاقة المبينة لها من أنه لوافترى على الله أوتقول عيه عاجله بالعذاب. وأنه لا يقدر أحد على دفعه عنه. جاء معناه في بعض الآيات. كقوله تعالى في يونس: {قال الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائت بِقرآن غَيْرِ هاذا أو بدلهُ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] أي إني أخاف إن عصيت ربي بالافتراء عليه بتبديل قرآنه أو الإتيان بقرآن غيره. عذاب يوم عظيم.
وذكر الله تعالى مثل هذا عن بعض الرسل في آيات أخر كقوله عن صالح {قال ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَاتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ} [هود: 63] الآية.
وقوله تعالى عن نوح: {وياقوم مَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِن طَرَدتُّهُمْ} [هود: 30] الآية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ قال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}.
عطف على جملة {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له} [الأحقاف: 5]. وقد علمت أن هذا مسوق مساق العَد لوجوه فرط ضلالهم فإن آيات القرآن تتلى عليهم صباحَ مساءَ تبين لهم دلائل خلوالأصنام عن مقومات الإلهية فلا يتدبرونها وتحدُوبهم إلى الحق فيغالطون أنفسهم بأن ما فهموه منها تأثر سحري. وأنها سحر. ولم يكتفوا بذلك بل زادوا بهتانًا فزعموا أنه مبين. أي واضح كونه سحرًا.
وهذا انتقال إلى إبطال ضلال آخر من ضلالهم وهو ضلال التكذيب بالقرآن فهو مرتبط بقوله: {حم تنزيل الكتاب من الله} [الأحقاف: 1. 2] الخ.
وقوله: {الذين كفروا} إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالكفر وبأنه سبب قولهم ذلك.
واللام في قوله: {للحق} لام العلة وليست لام تعدية فعل القول إلى المقول له أي قال بعض الكافرين لبعض في شأن الذين آمنوا ومن أجل إيمانهم.
والحق: هو الآيات. فعدل عن ضمير الآيات إلى إظهار لفظ الحق للتنبيه على أنها حق وأن رميها بالسحر بهتان عظيم.
و{لما جاءهم} توقيت لمقالتهم. أي يقولون ذلك بفور سماع الآيات وكلما جاءتهم. أي دون تدبر ولا إجالة فكر.
{أَمْ يَقولونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ}.
إضراب انتقال إلى نوع آخر من ضَلال أقوالهم.
وسلك في الأنتقال مسلك الإضراب دون أن يكون بالعطف بالوأولأن الاضراب يفيد أن الغرض الذي سينتقل إليه له مزيد اتصال بما قبله. وأن المعنى: دَعْ قولهم: {هذا سحر مبين} [الأحقاف: 7]. واستمع لما هو أعجب وهو قولهم: {افتَراه}. أي افترى نسبته إلى الله ولم يرد به السحر.
والاستفهام الذي يقدر بعد {أم} للأنكار على مقالتهم.
والنفي الذي يقتضيه الاستفهام الإنكاري يتسلط على سبب الأنكار. أي كون القرآن مفترى وليس متسلطًا على نسبة القول إليهم لأنه صادر منهم وإنما المنفي الافتراء المزعوم.
والضمير المنصوب في {افتراه} عائد إلى الحق في قوله: {قال الذين كفروا للحق} [الأحقاف: 7]. أو الى القرآن لعلمه من المقام. أي افترى القرآن فزعم أنه وحي من عند الله.
وقد أمِر الرسول صلى الله عليه وسلم بجواب مقالتهم بما يقلعها من جذرها. فكان قوله تعالى: {قل} جملة جارية مجرى جواب المقأولة لوقوعها في مقابلة حكاية قولهم.
وقد تقدم ذلك في قوله: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} في أوائل سورة البقرة (30).
وجعل الافتراء مفروضًا بحرف {إن} الذي شأنه أن يكون شرطه نادر الوقوع إشارة إلى أنه مفروض في مقام مشتمل على دلائل تقلع الشرط من أصله.
وانتصب {شيئًا} على المفعولية لفعل {تملكون}. أي شيئًا يملك. أي يستطاع. والمراد: شيء من الدّفع فلا تقدرون على أن تردوا عني شيئًا يَرد علي من الله.
وتقدم معنى (لا أملك شيئًا) عند قوله تعالى: {قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} في سورة العقود (17).
والتقدير: إن افتريته عاقبني الله معاقبة لا تملكون ردها.
فقوله: {فلا تملكون لي من الله شيئًا} دليل على الجواب المقدر في الكلام بطريق الالتزام. لأن معنى {لا تملكون لي} لا تقدرون على دفع ضر الله عني. فاقتضى أن المعنى: إن افتريته عاقبني الله ولا تستطيعون دفع عقابه.
واعلم أن الشائع في استعمال (لا أملك لك شيئًا) ونحوه أن يسند فعل الملك إلى الذي هو مظنة للدفع عن مدخول اللام المتعلقة بفعل الملك كقوله تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا} [الأعراف: 188] وقوله: {وما أملك لك من الله من شيء} [الممتحنة: 4]. أوأن يسند إلى عامّ نحو{قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم}. فإسناد فعل الملك في هذه الآية إلى المخاطبين وهم أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وليسوا بمظنة أن يدفعوا عنه. لأنهم نصبوا أنفسهم في منصب الحُكم على النبي صلى الله عليه وسلم فجزموا بأنه افترى القرآن فحالهم حال من يزعم أنه يستطيع أن يرد مراد الله تعالى على طريقة التهكم.
واعلم أن وجه الملازمة بين الشرط وجوابه في قوله: {إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئًا} أن الله لا يقرّ أحدًا على أن يبلِّغ إلى الناس شيئًا عن الله لَمْ يأمره بتبليغه. وقد دلّ القرآن على هذا في قوله تعالى: {ولوتَقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 44 47].
و لعل حكمة ذلك أن التقول على الله يفضي إلى فساد عظيم يختل به نظام الخلق. والله يَغار على مخلوقاته وليس ذلك كغيره من المعاصي التي تجلبها المظالمُ والعبث في الأرض لأن ذلك إقدام على ما هو معلوم الفساد لا يخفى على الناس فهم يدفعونه بما يستطيعون من حول وقوة. أوحيلة ومصانعة.
وأما التقول على الله فيوقع الناس في حيرة بماذَا يتلقَّوْنه فلذلك لا يُقره الله ويزيله.
وجملة {هم أعلم بما تفيضون فيه} بدل اشتمال من جملة {فلا تملكون لي من الله شيئًا} لأن جملة {فلا تملكون لي} تشتمل على معنى أن الله لا يرضى أن يفتري عليه أحد. وذلك يقتضي أنه أعلم منهم بحال من يُخير عن الله بأنه أرسله وما يبلغه عن الله.
وذلك هو ما يخوضون فيه من الطعن والقدح والوصف بالسحر أوبالافتراء أوبالجنون. فمَا صْدَقُ (ما) الموصولة القرآن الذي دلّ عليه الضمير الظاهر في {افتراه} أو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دل عليه الضمير المستتر في {افتراه} أو مجموع أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي دل عليها مختلف خوضهم.
ومتعلق اسم التفضيل محذوف. أي هو أعلم منكم.
والإفاضة في الحديث: الخوض فيه والإكثار منه وهي منقولة من: فاض الماء؛ إذا سال.
ومنه حديث مستفيض مشتهر شائع. والمعنى: هو أعلم بحال ما تفيضون فيه.
وجملة {كفى به شهيدًا بيني وبينكم} بدل اشتمال من جملة {هوأعلم بما تفيضون فيه} لأن الاخبار بكونه أعلم منهم بكنه ما يفيضون فيه يشتمل على معنى تفويض الحكم بينه وبينهم إلى الله تعالى.
وهذا تهديد لهم وتحذير من الخوض الباطل ووعيد.
والشهيد: الشاهد. أي المخبر بالواقع.
والمراد به هنا الحَاكم بما يعلمه من حالنا كما دلّ عليه قوله: {بيني وبينكم} لأن الحكم يكون بين خصمين ولا تكون الشهادة بينهما بل لأحدهما قال تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41].